شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة logo       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
shape
حاجة البشر إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
120331 مشاهدة print word pdf
line-top
مقاصد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر

إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات التي كلف الله بها أنبياءه وآخرهم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد قام -صلى الله عليه وسلم- بهذا الواجب أكبر قيام، فقد بلّغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلوات ربي وسلامه عليه. ثم قام من بعده صحابته الكرام، ومن بعدهم التابعون وتابعوهم إلى يومنا هذا، ولا تزال طائفة من هذه الأمة قائمة بهذا الركن وهذا الواجب إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
لقد وعد الله القائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعز والنصر والتمكين والرحمة والفلاح، وغير ذلك من الفضائل الكثيرة التي لا تحصى.
ولا يخفى على أحد أن العاملين في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجدون فيه من المشقة والصعوبة ما لا يجده العامل في أي مجال آخر، فهو تكليف ليس بالهين ولا باليسير، فهو مليء بالمخاوف والمكاره والمسئوليات.
فإذا كانت هذه صفته، وفيه ما فيه من المشقة والصعوبة، فما الذي يدفع أولئك الرجال الذين يسهرون ليلهم لهذا العمل؟
وما مقصود رجل الهيئة من الاستمرار فيه؟
وللإجابة على هذا التساؤل فإننا نذكر بعض مقاصد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والتي جعلتهم يستمرون في هذا العمل العظيم:
المقصد الأول: تحقيق العبودية لله -تعالى- وحده لا شريك له: قال -تعالى- وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فالحكمة من خلق الإنسان هو عبادة الله وحده. وقد قام الرسل جميعا بالدعوة إلى تحقيق هذه العبادة من خلال بيان أكبر معروف، وهو توحيد الله، وبيان أكبر منكر، وهو الشرك بالله.
المقصد الثاني: رجاء الثواب المترتب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحصيل فضائله: والآيات والأحاديث المبينة لعظيم ثواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة، منها قوله -تعالى- وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .
ومن الأحاديث، قوله -صلى الله عليه وسلم- أو ليس الله قد جعل لكم ما تصدقون؟! إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة .

بهذا وغيره يتبين ما في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ثواب عظيم وفضل كبير.
المقصد الثالث: خوف العقاب والإثم على تاركه:
وفي هذا قول الله -تعالى- لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ وفي الحديث عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده، ثم لتدعونه فلا يستجاب لكم .
فاحذر يا من تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يشملك عذاب الله وعقابه بإهماله وتركه.
المقصد الرابع: إجلال الله -تعالى- وإعظامه ومحبته والغضب له سبحانه على انتهاك محارمه: فقد أخبرت عائشة -رضي الله عنها- عن حال النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله -تعالى- فينتقم لله -تعالى- .
يقول ابن القيم -رحمه الله- وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك، وحدوده تضيع، ودينه يترك، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- يرغب عنها، وهو بارد القلب! ساكت اللسان! شيطان أخرس! كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق.
وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياستهم فلا مبالاة بما جرى على الدين .
المقصد الخامس: النصيحة للمسلمين والرحمة بهم، والشفقة عليهم ورجاء إنقاذهم مما أسخطوا الله به:
قال -تعالى- وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ .
وقال -صلى الله عليه وسلم- الدين النصيحة ثلاثا، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم .
قال بعض السلف: أهل المحبة لله نظروا بنور الله، وعطفوا على أهل معاصي الله، مقتوا أعمالهم، وعطفوا عليهم ليزيلوها بالمواعظ عن فعالهم، وأشفقوا على أبدانهم من النار .
المقصد السادس: حماية المجتمع من أسباب تحلله وهلاكه والعمل على صلاحه وفلاحه:
روى البخاري في صحيحه عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا .
والسفينة هنا بمثابة المجتمع الذي يعيشون فيه.
ولأن بتحقيقه -أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- تصلح الأمة ويكثر فيها الخير، وتظهر فيها الفضائل، وتختفي منها الرذائل، ويتعاون أفرادها على الخير، ويتناصحون ويجاهدون في سبيل الله ويأتون كل خير، ويذرون كل شر.
وبإضاعته والقضاء عليه تكون الكوارث العظيمة والشرور الكثيرة، وتفترق الأمة وتقسو القلوب أو تموت، وتظهر الرذائل أو تنتشر، وتختفي الفضائل، ويهضم الحق ويظهر صوت الباطل .
المقصد السابع: الغيرة والمروءة:
وقد ثبت في الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم- إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه .
فيلزم كل مؤمن أن يقوم في قلبه من الغيرة والمروءة ما يجعله حافظا لعرضه، منافحا عنه، حاذرا مما يخدشه، فإن الله -تعالى- يغار، ولا أحد أغير من الله، ورسوله -صلى الله عليه وسلم- يغار، ولا أحد من الخلق أغير منه، والمؤمن يغار، وبحسب غيرته يكون له نصيب من تمام المتابعة للنبي -صلى الله عليه وسلم- والاقتداء به.
يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- إذا ترحلت الغيرة من القلب، ترحلت منه المحبة، بل ترحّل منه الدين، والغيرة أصل الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن خلت من القلب لم يجاهد ولم يأمر بالمعروف .

line-bottom